تكريم مبدعي جندوبة وباجة والكاف في الدورة الثانية للمعرض الوطني للكتاب التونسي

بعد الانفتاح على جهات تطاوين وقبلي ومدنين والتعريف بالحركة الإبداعية فيها استنادا إلى تجارب وشهادات كتّابها وباحثيها ومفكريها التقى رواد المعرض الوطني للكتاب التونسي يوم الأحد 22 ديسمبر ثلاثة من ممثلي الإبداع في ولاية جندوبة وهم حفيظة القاسمي وطارق العمراوي وحلمي الغزواني ويتنزل ذلك في إطار تخصيص المعرض لحيز مهم من نشاطه الثقافي للتعريف بهؤلاء الذين قدمهم الأستاذان رضا بن صالح واحمد القاسمي وقالوا أنهم يبدعون بعيدا عن المركز ويناضلون من ومواقعهم للنهوض بالثقافة التونسية وحفظ ذاكرتنا الوطنية وكل ما يكوّن هويتنا و حضارتنا.
كانت حفيظة القاسمي أصيلة مدينة طبرقة وأستاذة اللغة العربية سعيدة وممتنة لمن سمح بلقائها مع أصدقائها وقرائها ومن احتفى بها وبمنجزها في زمن أصبح فيه الكاتب مهمشا. القاسمي سمح لها عملها بأن تتنقل في أغلب جهات البلاد وقد وجدت في كل منها عالما مختلفا عن الآخر أثر بطريقة ما على مسيرتها ونوعية كتاباتها التي قسمتها إلى ثلاث محطات فارقة.
ومن عالم الأدب والفكر والتاريخ ومن ولاية جندوبة تمت استضافة طارق العمراوي الذي أراد في بداياته أن يكون روائيا باعتبار حبه للأدب وتعلقه بالمكتبة العمومية التي كان يقضي فيها كامل يومه ولكنه حول وجهته إلى الإعلام وابتعد عن المشروع الأدبي وبدا الكتابة التاريخية والأثرية في مجلة حقائق وفي جريدة “الصباح” .. ثم اصدر سلسلة “ميدان ” وقراءات في الأدب التونسي المعاصر وسلسلة “جندوبة تاريخ مدينة” واصدر كذلك” جندوبة المسيرة المظفرة من الثورة إلى المجلس التأسيسي” وهو كتاب يعتمد بالأساس على الصور و” شمتو حجارة العبيد والملوك “. وله رواية بصدد الكتابة من داخل العالم التاريخي والأثري. كان طارق العمراوي رئيس فرع اتحاد الكتاب التونسيين بجندوبة وقد مارس قناعاته في كل المناصب التي تولاها سواء في النوادي أو المهرجانات أو التظاهرات الثقافية في جهته بان لا يكون لأي مسؤول إلا دورة وحيدة ليتداول غيره على الكرسي. وقريبا يصدر لطارق العمراوي كتاب ” ورقات حزب جبهة التحرير الوطني جندوبة نموذجا..
الضيف الثالث الذي احتفى به المعرض الوطني للكتاب التونسي كان حلمي الغزواني وهو باحث ومختص في التاريخ نبش في المهمش وحاول إعادة الروح لمن نسيهم التاريخ أو تم تغييبهم وتعرضوا للظلم أحياءا أو أمواتا، ومن بينهم كتابه عن “الطيب الزلاق ” الذي لم يشمله إي بحث أو دراسة أو خبر إلى إن عثر حلمي الغزواني على وثيقة في وزارة العدل تروي تفاصيل محاكمة الطيب الزلاق وهو اسم حركي لان اسمه الحقيقي هو عمر المغزاوي ولد سنة 1916 أو 1918(غير ثابت ) بقرية القنارة ..تم تجنيد الطيب الزلاق في الجيش الفرنسي سنة 1938 ثم شارك في الكفاح ضد المستعمر الفرنسي في جهة الشمال الغربي ثم رفع السلاح على الحكومة التونسية وكان مع صالح بن يوسف ونظرا لعدم تكافئ القوى انهزم وسلم سلاحه سنة 1956 وتمت محاكمته وإعدامه ولا يعرف إلى اليوم مكان دفنه
أما كتاب ولايتي باجة والكاف فكان حديث البوح والصراحة والصدق والتفاعل بين الكتاب والحضور الذين جاء بعضهم مع الكتاب للتشجيع ولزيارة المعرض وحضور لقاءات توقيع الكتاب لكتبهم وللحصول على نسخة موقعة يتباهون بها .
انطلق الحديث بصوت شجي هزت نبراته الصادقة اركان البهو الامامي لمدينة الثقافة حيث تنتصب اجنحة المعرض ..كان صوت الاذاعي القدير والكاتب مراد البجاوي الذي تحدث عن تجربته مع السرد ومع كتابة الرواية وهو الذي كتب على مائدة متحركة “في بيتنا قناص” سنة 2011 بعد ان كتب سنة 2010 “يوسف كما شاء” ونقد فيها اوضاع تونس الاقتصادية والاجتماعية ثم التفت الى كتابة النص التاريخي في ملحمة عن تهجير المورسكيين من الاندلس بدا بـ” تمارا كما شاءت” التي تحدث فيها عن علاقة العرب بالمسيحيين واليهود في الاندلس ثم اعد جزءا ثانيا تناول فيه حكاية “قوارب الموت “التي كان يسلب فيها الموريسكيون ثم يلقى بهم في اعماق البحر ثم ” رواية حبات الرمان” وتدور كل وقائعها في تستور كما كتب رواية ” الثائرة ” ومازال مراد البجاوي يحلم بناقد يسال عن حقيقة ما حدث للعرب في الاندلس .
ومن باجة ايضا استمع الحضور الى صوت الباحث الاكاديمي والمبدع اصيل الشابي، تحدث عن تجربته ورأى ان القصة القصيرة يطرح في اطارها مقترب التجريب اللغوي ورهان المعرفة وهما يتكاملان وأشار الى وجود اشكاليات كثيرة للمقاربات الأجناسية ومن الطبيعي اليوم ان تتجاوز الاجناس لتعبر عن مواضيع مثل الحرية في المجتمع التونسي وختم بان اهمية وقيمة الانتاج الادبي تقاس بالنوعية لا بالكمية. وانتهت الجلسة بتكريم مراد البجاوي وأصيل الشابي لتنطلق جلسة تكريم ممثلي ادباء الكاف وهما لطفي العربي البرهومي وسالم المساهلي .
لطفي شاعر اصدر مؤخرا رواية ” تغريبة شاس بن اسماعيل ” وله خمس مجموعات قصصية حول بعضها الى روايات باعتبار اقتناعه بإمكانية تقاطع الاجناس لأنه يعتبر ان الرواية هي الجنس الوحيد الذي يمكنه ان يستوعب كل اوجاع الكاتب وان يفرغ فيها ما في جعبته.
ومسك الختام كان مع استاذ الحضارة الشاعر سالم المساهلي الذي اصدر ” اشواق الخيل” و”كبرياء” و”سيرة الارض “و”مقاربات نقدية ” ويمزج في اشعاره بين العمودي والحر حتى في نفس المجموعة ويرى ان الشاعر لا يمكن ان ينطلق من فراغ بل لا بد ان يقرا كثيرا وقال : ” ان القصيدة الشعرية الجيدة تتشكل في وجدان الشاعر وتأتي مع ايقاعها وعلى الشاعر ان يكتب من داخل اوجاع امته واشعر الناس من وجدت نفسك في شعره .” ثم قرا المساهلي نصا شعريا عموديا بعنوان ” امتي ” ونصا حرا بعنوان “انا الآن وحدي ” وانتهت الجلسة بتكريم الاديبين على شعار لا نقاوم الموت والرداءة إلا بمزيد الكتابة.

مقالات أخرى

Leave a Comment